فصل: زيادة الإيمان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مختصر الفقه الإسلامي في ضوء القرآن والسنة



.زيادة الإيمان:

- أساس الدين هو الإيمان بالله عز وجل، واليقين على ذاته وعلى أسمائه وصفاته، وأفعاله وخزائنه، ووعده ووعيده، وجميع الأعمال والعبادات مبناها وقبولها مبني على هذا الأصل العظيم، وإذا ضعف هذا الإيمان ونقص ضعفت الأعمال والعبادات فساءت الأحوال.
وحتى يأتي الإيمان في حياتنا ويزيد لا بد من العلم بأمور:
الأول: أن نعلم ونتيقن أن خالق كل شيء هو الله ظاهراً كان أو باطناً، صغيراً كان أو كبيراً، فخالق السماء هو الله، وخالق الأرض هو الله، وخالق العرش هو الله، وخالق الملائكة هو الله، وخالق النجوم هو الله، وخالق البحار والجبال هو الله، وخالق الإنسان والحيوان والنبات والجماد هو الله، وخالق الجنة هو الله، وخالق النار هو الله: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62)} [الزمر/62].
نتكلم بذلك، ونسمعه، ونفكر به، وننظر في الآيات الكونية والآيات القرآنية نظر اعتبار وتفكر حتى يرسخ الإيمان في قلوبنا، وقد أمرنا الله بذلك.
1- قال الله تعالى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (101)} [يونس/101].
2- وقال الله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)} [محمد/24].
3- وقال الله تعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124)} [التوبة/124].
الثاني: أن نعلم ونتيقن أن الله خلق المخلوقات وخلق فيها الأثر، فخلق العين وخلق فيها الأثر: وهو البصر، وخلق الأذن وخلق فيها الأثر: وهو السمع، وخلق اللسان وخلق فيه الأثر: وهو الكلام، وخلق الشمس وخلق فيها الأثر: وهو النور، وخلق النار وخلق فيها الأثر: وهو الإحراق، وخلق الشجر وخلق فيه الأثر: وهو الثمر وهكذا.
الثالث: أن نعلم ونتيقن أن الذي يملك جميع المخلوقات، ويتصرف فيها، ويدبرها هو الله وحده لا شريك له، فكل ما في السماء والأرض من المخلوقات كبيرهم وصغيرهم كلهم عبيد فقراء إلى الله، لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً ولا نصراً، ولا يملكون موتاً ولا حياة ولا نشوراً، فالله مالكهم، وهم محتاجون إليه، وهو غني عنهم.
وهو سبحانه الذي يصرف الكون ويدبر أمور جميع خلقه، فالذي يتصرف في السماء والأرض، وفي المياه والبحار، وفي النار والرياح، وفي الأنفس والنباتات، وفي الكواكب والجمادات، وفي الرؤساء والوزراء، وفي الأغنياء والفقراء، وفي الأقوياء والضعفاء وغيرهم هو الله وحده لا شريك له.
فالله عز وجل يتصرف بقدرته وحكمته وعلمه كيف يشاء، فقد يخلق الشيء ويسلب أثره بقدرته، فقد توجد العين ولا تبصر، والأذن ولا تسمع، واللسان ولا يتكلم، والبحر ولا يغرق، والنار ولا تحرق، وقد فعل ذلك سبحانه؛ لأنه الذي يتصرف في الخلق كيف يشاء، لا إله إلا هو الواحد القهار وهو على كل شيء قدير.
- وبعض القلوب تتأثر بالشيء أكثر من خالق الشيء، فتتعلق بالشيء وتغفل عن خالق الشيء سبحانه، والواجب أن نصل بهذا العلم وبهذا النظر من المخلوق إلى الخالق الذي خلقه وصوره، فنعبده وحده لا شريك له.
قال الله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31) فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32)} [يونس/31- 32].
الرابع: أن نعلم ونتيقن أن خزائن جميع الأشياء عند الله وحده لا عند غيره، فكل شيء في الوجود فخزائنه عند الله، خزائن الطعام والشراب، والحبوب والثمار،
والمياه والرياح، والأموال والبحار، والجبال وغيرها كلها عند الله، فكل ما نحتاجه نطلبه من الله ونسأله إياه، ونكثر من العبادات والطاعات، فهو سبحانه قاضي الحاجات، ومجيب الدعوات، هو خير المسؤولين، وخير المعطين، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع.
1- قال الله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21)}... [الحجر/21].
2- وقال الله تعالى: {وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7)} [المنافقون/7].

.قدرة الله عز وجل:

الله عز وجل له القدرة المطلقة:
1- أحياناً يعطي ويرزق بالأسباب كما جعل الماء سبباً للإنبات، ووطء المرأة سبباً للإنجاب، ونحن في دار الأسباب فنأخذ بالأسباب المشروعة، ولا نتوكل إلا على الله.
2- وأحياناً يعطي ويرزق بدون الأسباب، يقول للشيء كن فيكون، كما رزق مريم طعاماً بلا شجر، وابناً بلا ذكر.
3- وأحياناً يستعمل قدرته سبحانه بضد الأسباب كما جعل النار برداً وسلاماً على إبراهيم- صلى الله عليه وسلم-، وكما نجى موسى- صلى الله عليه وسلم- وأغرق فرعون وقومه في البحر، وكما نجى يونس- صلى الله عليه وسلم- في ظلمة بطن الحوت والبحر.
قال الله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)} [يس/82].
هذا بالنسبة للمخلوقات، أما بالنسبة للأحوال:
1- فنعلم ونتيقن أن خالق جميع الأحوال هو الله وحده من الغنى والفقر.. والصحة والمرض.. والفرح والحزن.. والضحك والبكاء.. والعزة والذلة.. والحياة والموت.. والأمن والخوف.. والبرد والحر.. والهداية والضلالة.. والسعادة والشقاوة.. فهذه وغيرها من الأحوال خلقها الله سبحانه.
2- أن نعلم ونتيقن أن الذي يدبر الأمر ويُصَرِّف هذه الأحوال هو الله وحده، فلا يتبدل الفقر بالغنى إلا بأمر الله، ولا المرض بالصحة إلا بأمر الله، ولا تتغير الذلة بالعزة إلا بأمر الله، ولا الضحك بالبكاء إلا بأمر الله، ولا يموت حي إلا بإذن الله، ولا يتغير البرد بالحر إلا بأمر الله، ولا تتبدل الضلالة بالهداية إلا بأمر الله وهكذا.
فتأتي الأحوال بأمره سبحانه، وتزيد بأمره، وتنقص بأمره، وتبقى بأمره، وتنتهي بأمره، فعلينا أن نطلب تغيير الأحوال ممن يملكها بالتقرب إليه وحده بما شرع: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26)} [آل عمران/26].
3- أن نعلم ونتيقن أن خزائن جميع الأحوال السابقة وغيرها عند الله وحده لا شريك له، فلو أعطى الله سبحانه الصحة أو الغنى أو غيرهما كل الناس لم ينقص ما في خزائنه سبحانه إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، لا إله إلا هو الغني الحميد.
عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي- صلى الله عليه وسلم- فيما روَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أنَّهُ قَالَ: «يَا عِبَادِي! إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلا تَظَالَمُوا، يَا عِبَادِي! كُلُّكُمْ ضَالٌّ إلا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أهْدِكُمْ يَا عِبَادِي! كُلُّكُمْ جَائِعٌ إلا مَنْ أطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ يَا عِبَادِي! كُلُّكُمْ عَارٍ إلا مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أكْسُكُمْ يَا عِبَادِي! إنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأنَا أغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أغْفِرْ لَكُمْ يَا عِبَادِي! إنَّكُمْ لَنْ تبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي يَا عِبَادِي! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا عَلَى أفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَألُونِي، فَأعْطَيْتُ كُلَّ إنْسَانٍ مَسْألَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إلا كَمَا يَنْقُصُ المِخْيَطُ إذَا أُدْخِلَ البَحْرَ يَا عِبَادِي! إنَّمَا هِيَ أعْمَالُكُمْ أحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أوَفِّيكُمْ إيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إلا نَفْسَهُ». أخرجه مسلم.
- فالذي يؤمن بالله، ويمتثل أوامر الله على هدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فالله عز وجل يرضى عنه، ويعطيه من خزائنه- غنياً كان أو فقيراً-، ويؤيده وينصره، ويدخله الجنة، ويحفظه ويعزه بالإيمان، سواء كانت عنده أسباب العزة كأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، أو لم تكن عنده أسباب العزة كبلال وعمار وسلمان رضي الله عنهم وغيرهم.
ومن لم يؤمن بالله: فإن كانت عنده أسباب العزة من الملك والمال أذله الله بها كما أذل فرعون وقارون وهامان، وغيرهم.
وإن كانت عنده أسباب الذلة أذله الله بها كفقراء المشركين.
- والله خلق الإنسان للإيمان والأعمال الصالحة، وعبادة ربه وحده لا شريك له، ولم يخلقه ليستكثر من الأموال والأشياء والشهوات، فإن شغل نفسه بهذه الأشياء عن عبادة ربه سلطها الله عليه، وجعلها سبباً في شقائه وهلاكه وخسارته في الدنيا والآخرة.
قال الله تعالى: {فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55)} [التوبة/55].

.أسباب الفوز والفلاح:

أعطى الله عز وجل كل إنسان أسباب الفوز والفلاح أياً كان غنياً أو فقيراً، والأسباب التي ليس فيها فوز ولا فلاح كالمال والجاه أعطى منها بعض الناس دون بعض، فالإيمان والأعمال الصالحة هي السبب الوحيد للفوز والفلاح في الدنيا والآخرة، وهي حق مبذول لكل أحد، وكذلك مكان الإيمان وهي القلوب موجودة عند كل أحد، ومكان الأعمال وهي الجوارح مملوكة لكل أحد، فمن في قلبه الإيمان وصدرت من جوارحه الأعمال الصالحة فاز في الدنيا والآخرة وما سواه فهو من الخاسرين.
1- يحصل الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة فقط بالإيمان والأعمال الصالحة، وقيمة الإنسان عند الله بقدر ما فيه من الإيمان، وما يقوم به من الأعمال الصالحة، لا بما يملك من الأموال والأشياء والمناصب.
وقد اعتقد قوم أن الفوز والفلاح في الملك والدولة كنمرود وفرعون، واعتقد آخرون أنه في القوة كقوم عاد، واعتقد آخرون أنه في التجارة كقوم شعيب، واعتقد آخرون أنه في الزراعة كقوم سبأ، واعتقد آخرون أنه في الصناعة كقوم ثمود، واعتقد آخرون أنه في المال كقارون.
وقد أرسل الله عز وجل الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام لهؤلاء الأقوام يدعونهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ويبينون لهم أن الفوز والفلاح ليس في هذه الأشياء بل بالإيمان والأعمال الصالحة.
1- قال الله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (52)} [النور/52].
2- وقال الله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ} [البقرة/3- 5].
2- وهؤلاء الأقوام لما كذبوا الرسل، واستمروا على كفرهم، واغتروا بما عندهم دَمَّرهم الله وأنجى أنبياءه ورسله وأتباعهم، ونصرهم على أعدائهم.
1- قال الله تعالى: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40)} [العنكبوت/40].
2- وقال الله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67)} [هود/66- 67].

.فقه تزكية النفوس:

التزكية: طهارة الظاهر والباطن من كل درن ونجاسة.
والتزكية لها ثلاث متعلقات:
1- في حق الله: يتزكى الإنسان ويتطهر من الشرك والنفاق والرياء، فيعبد الله مخلصاً له الدين.
2- في حق الرسول- صلى الله عليه وسلم-: يتزكى ويتطهر من الابتداع، فيعبد الله على مقتضى شريعة الله ورسوله.
3- في حق الناس: يزكي نفسه ويطهرها من الأخلاق السيئة كالغل والحسد والكذب والغيبة والإعتداء على الخلق.
ومن رُزِق هذا فقد نال الدرجات العالية في الإيمان والعلم والعمل والخُلُق.
قال الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)} [الشمس/9- 10]
والفلاح هو الفوز بالمطلوب، والنجاة من المرهوب.

.تفاضل أهل الإيمان:

1- إيمان الخلق درجات متفاوتة:
1- فإيمان الملائكة ثابت لا يزيد ولا ينقص، فهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وهم درجات.
2- وإيمان الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام يزيد ولا ينقص؛ لكمال معرفتهم بالله، وهم درجات.
3- وإيمان سائر المسلمين يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، وهم درجات في الإيمان، والإيمان درجات:
فأول درجات الإيمان تجعل المسلم يؤدي العبادة للهِ عز وجل ويتلذذ بها ويحافظ عليها، ولحسن المعاملة مع من فوقه أو مثله من الناس يحتاج إلى إيمان أقوى يحجزه عن الظلم لنفسه ولغيره، ولحسن المعاشرة لمن دونه من الخلق كالحاكم مع رعيته، والرجل مع أهله يحتاج إلى إيمان أقوى يحجزه عن الظلم لمن دونه، وكلما زاد الإيمان زاد اليقين وزاد العمل الصالح، وصار العبد يؤدي حق الله وحقوق عباده، فهو حسن الخُلق مع الخالق ومع المخلوق، فهذا بأرفع المنازل في الدنيا والآخرة.
2- كل عبد سائر لا واقف، فإما إلى فوق وإما الى أسفل، وإما إلى أمام وإما إلى وراء، وليس في الطبيعة ولا في الشريعة وقوف ألبتة.
فكل عبد ما هو إلا مراحل تطوى أسرع طي إلى الجنة أو إلى النار، فمسرع ومبطئ، ومتقدم ومتأخر، وليس في الطريق واقف ألبتة، وإنما يتخالفون في جهة المسير وفي السرعة والبطء، فمن لم يتقدم إلى الجنة بالإيمان والأعمال الصالحة فهو متأخر إلى النار بالكفر والأعمال السيئة.
قال الله تعالى: {نَذِيرًا لِلْبَشَرِ (36) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (37)} [المدثر/36- 37].
3- أهل الإيمان متفاوتون فيه تفاوتاً عظيماً، فإيمان الأنبياء والرسل ليس كإيمان غيرهم، وإيمان الصحابة رضي الله عنهم ليس كإيمان غيرهم، وإيمان المؤمنين الصالحين ليس كإيمان الفاسقين.
وهذا التفاوت بحسب ما في القلب من العلم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله وما شرعه لعباده، وخشية الله وتقواه، وتفاوت نور لا إله إلا الله في قلوب أهلها لا يحصيه إلا الله تعالى.
4- أعرف الخلق بالله أشدهم حبّاً له، ولهذا كانت الرسل أعظم الناس حباً للهِ، وتعظيماً له.
ومحبة الله لذاته وإحسانه وجماله وجلاله أصل العبادة، وكلما قويت المحبة كانت الطاعة أتم، والتعظيم أوفر، والسرور والأنس بالله أكمل.